السبت، ٢١ يوليو ٢٠٠٧

الذئاب الجائعة و الزلة الأولى ـ للناقد الكبير الدكتور محمد مندور

الذئاب الجائعة و الزلة الأولى

دراسة للناقد الكبير الدكتور محمد مندور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عنوان الدورية : ص . الشعب
تاريخ النشر : 30/8/1959
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


حملت معى أيضا إلى رأس البر مجموعتين من القصص لكاتبنا المخضرم محمود البدوى ، وهما " الذئاب الجائعة " و " الزلة الأولى " ، وخيرا فعلت وذلك لأن رأس البر يسمح بالاستجمام والقراءة ، ففيه هدوء الريف إلى جوار مباهج المصيف .

ومنذ أن تطلق مياه النيل فى منتصف شهر أغسطس وتتعطل السباحة فى النيل على شط " الجربى " تصبح القراءة على شاطىء البحر لمثلى متعة حقة حيث لا حرارة تبلد الذهن ولا رطوبة مثبطة ترهق العصب .

ولقد كنت تواقا منذ حين إلى أن أنظر عن قرب فى فن الأديبين سعد مكاوى و محمود البدوى ، وقد فرغت من أولهما فى الأسبوع الماضى ، وهأنذا أتحدث اليوم عن الانطباعات التى خلفتها فى نفسى مجموعتا محمود البدوى ..

لقد سرنى أننى استطعت أن أحس من بعض قصص البدوى ببيئته الأولى وهى الصعيد ، وازداد سرورى عندما أكد لى صديقى وزميلى فى المصيف أحمد رشدى صالح صدق احساسى ، إذ أخبرنى أن البدوى من مديرية أسيوط فعلا . وكم أود أن لو عاد كتابنا كل إلى بيئته الأولى ليصور الحياة فيها بدلا من أن يتجمعوا على المدينة ويكرر بعضهم بعضا ..

والقصص التى طالعت فيها وجه الصعيد ، وجدت خيرها فى مجموعة " الذئاب الجائعة " التى يذهب إليها تفضيلى ، ولعل قصة " الذئاب الجائعة " بالذات قد راقتنى أكثر من غيرها ، وذلك لأننى علمت منها جديدا أو ما يشبه الجديد عن قسوة الحياة فى هذا الصعيد حيث يضطر الفقر والجوع بعض الناس إلى احتراف السطو كما تفعل الذئاب الجائعة ، ولهذه الحرفة عندهم أصول مرعية ، فهم مثلا يحملون على أكتافهم المرهقة من يسقط قتيلا من أفراد العصابة حتى يصلوا به إلى الجبل ويواروه التراب خوفا من أن يتركوا أثرا للجريمة ، واشفاقا على جثته من المهانة . وهم لا يظهرون جزعا أو خوفا ولكنهم مع ذلك يأسون لمن فقدوا من رفيق ..

وبذلك صور لنا البدوى لونا من الوان الحياة التى لا نعرفها فى المدينة بل ولا نعرفها فى ريف الدلتا الذى نشأنا فيه ..

وفى المجموعة قصص أخرى تصور جوانب أخرى من حياة الصعيد مثل قصة " فى القرية " التى تخطط لحياة الأجراء الذين يعملون فى رفع الماء من النيل إلى ربوات بواسطة الشادوف على ثلاث مراحل ، يعمل فى كل مرحلة ثلاثة رجال ، كل على شادوف ، ويتبادلون مواقعهم لتوزيع الجهد ، ويعمل كل منهم اثنتى عشرة ساعة مقابل ثلاثة قروش ..

وإذا مرض أحدهم أو أصيب ، ظل يقاوم المرض أو الاصابة بقوة الطبيعة الكامنة فى جسمه قابعا فى قاعته المظلمة ..

وقد صور محمود البدوى مثل هذه الحالة تصويرا دقيقا على لسان بطل هذه القصة بقوله :

" وطالت أيام مرضى .. فلم يكن هناك علاج ولا طب ، فقد تركت نفسى لرحمة الأقدار .. وتطور الجرح ، وأصبت بالحمى ، وكنت أهذى طول الليل فى غرفة حقيرة قذرة ليس فيها نور ، ولا هواء ، ولا تراها عين الشمس . فلم يكن فيها غير منفذ واحد ، وهو بابها الصغير .. ! وكانت الحشرات تمرح فيها فى الليل ، والذباب يملأ جوها فى النهار ، والروائح الكريهة تنبعث من كل مكان .. وكنت ملقى على حصيرة قذرة فى ركن من الغرفة ، وتحت رأسى وسادة أقذر منها .. فأى عذاب وألم ، وأى حياة يحياها الريفى المسكين.. ؟ إنه إذا عاد من الحقل ، ودخل البيت ، أو ما يسمى بيتا شعر بالاختناق ، ولكن حسه يبلد على مر الأيام ، وعينه تألف القذارة ، كما يتعود بطنه الجوع . فإذا مرض أرهف حسه ، ورجعت إليه مشاعره من جديد ، وذكر المدينة وما يجرى فيها .. وراح يتصور القصور الشامخة ، والحدائق الغناء .. والمستشفيات والأطباء فى كل مكان فى المدينة .. وتفتحت آفاق نفسه ، وتاقت لأطايب الحياة ومناعمها ، وتحسر على ما مضى من عمره فى فقر وعذاب ، وأحس بالألم ، وويل للمظلوم إذا شعر بأنه مظلوم ".

ومن البديهى أننى كنت أفضل لأديبنا فى هذه الفقرة وأمثالها أن يظل داخل اطار قصته وألا يخرج من التخصيص إلى التعميم فيحتفظ بالحديث مقصورا على بطل قصته دون أن يعدوه إلى أهل الريف عامة لأنه يخرج بذلك عن أصول الفن القصصى إلى مجال البحث الاجتماعى ولقد كان من السهل أن يجرى كل هذا الحديث على لسان بطله ..

وعلى أية حال فأقصوصة " فى القرية " قد انسحب عليها لسوء الحظ منهج البدوى العام فى كتابة القصص ، إذ لم تلبث أن ظهرت فيها المرأة ، فاتجهت الوجهة التى تتخذها معظم قصص البدوى وهى محاولة البطل تصيد هذه المرأة من الغجر تعمل راقصة ثم يتنافس عليها البطل وعباس زميله ، وينتهى الأمر طبعا بأن يقتل أحدهما الآخر ويذهب إلى السجن ..

والواقع أن مسألة المرأة والرجل والعلاقة الجنسية بينهما تحتل مكانا مسرفا فى قصص البدوى حتى لا تكاد تخلو منها قصة واحدة ..

والعلاقة بين الرجل والمرأة فى قصصه تضمر حتى تقتصر على مجرد تصيد الرجل للمرأة ، وكثير من قصصه تنتهى بالفراغ من هذا الصيد ، كالأعمى الذى تنتهى قصته بحمل المرأة والدخول بها فى حقل ذرة ، وكالبطل الذى ينتهى فى قصة القطار الذاهب من بوخارست إلى كونستنزا برومانيا لتصيد امرأة رافقته فى هذا القطار ..

والبدوى يؤمن بأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة قضاء محتوم لا مفر منه إذا التقيا وخلا لهما الجو .. وقد يكون على حق ، ولكن الحياة لا يمكن أن تضمر حتى لا يعود فيها شىء غير هذا القدر المحتوم ، وما ينبغى أن تصبح هذه العلاقة المحور الوحيد لكاتب كتب عشرات القصص ، وإلا وقع فى التكرار الممل ..

والبدوى يصور نساء الريف والحضر ومن بلاد مختلفة فى أنحاء العالم التى يلوح أنه قد زارها ، ومع ذلك تتكرر نفس الحادثة فى كل هذه القصص وتنتهى بها قصصه وكأنها هدف فى ذاته مما يجعلنا نفتقد فى مثل هذه القصص هدفا أسمى أو فكرة أخرى بل ويشعرنا بأن القصة قد أقتضبت نهايتها ، أو انقطع خيطها ..

كم أود أن لو خرج أديب فنان كمحمود البدوى عن هذا المحيط الضيق الذى حبس نفسه فيه ليتحرر من هذه الفكرة الوحيدة المسيطرة لينظر حوله ويتأمل بيئته فى صعيدنا النائى ليصور لنا ما يعج فيه من مظاهر الحياة ومآسيها ومن مشاكل الناس ومواضع بلواهم ومنابع سرورهم ، وعندئذ يستطيع أن يجدد نفسه ، وأن يجد لطاقته الفنية المرهفة مجالات أكثر إنسانية ورحابة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصص التى وردت فى هذه الدراسة :
(1) الذئاب الجائعة
منشورة على الرابط

http://elbadawy28.blogspot.com/2006/12/blog-post_6382.html

(2) فى القرية
منشورة على الرابط
http://elbadawy28.blogspot.com/2006/12/1944.html

(3) الأعمى
منشورة على الرابط
http://elbadawy28.blogspot.com/2006/12/blog-post_31.html

(4) فى القطار
منشورة على الرابط
http://arabicstory1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_5063.html

القصــــاص الشــــاعر ـ بقلم الناقد الكبير رجاء النقاش





الكاتب : الناقد الكبير رجاء النقاش

عنوان الدراسة :القصاص الشاعر
تاريخ النشر : يناير 1959
عنوان الدورية : مجلة الشهر

***

منذ ربع قرن ومحمود البدوى يكتب القصة القصيرة باخلاص نادر لفنه وحياته معا ، وبالرغم من أن شهرة هذا الكاتب الفنان محدودة ، إلا أنه واحد من هؤلاء الفنانين الذين ارتبطت حياتهم بفنهم ارتباطا وثيقا ، فكان فنه دائما صورة من حياته ، وكانت حياته أيضا صورة من فنه ..

وقد قال أحد النقاد يوما " أننا إذا لم نقتصر على تصوير الفنان من الخارج كما يرى من خلال حقائق حياته ، بل اهتممنا كذلك بتصويره من الداخل كما يرى من خلال أفكار عقله ، فإننا سوف نجد أن كل قصاص عظيم إذا نظر إليه من هذه الزاوية المزدوجة تراءى هو نفسه بطلا لقصة عظمى "..

ومثل هذه الحقيقة تنطبق على محمود البدوى تماما ، فهو ليس كاتب قصة وحسب ، ولكنه بطل قصة أيضا .. ولم يتح لى قط أن أرى محمود البدوى أو أن أتصل به اتصالا مباشرا ، ولكننى رأيته من خلال أعماله الفنية العديدة ، وعندما أحسست ب " الطعم الخاص المميز " لفنه ، أخذت أسأل الذين عرفوه أو اتصلوا به عن شخصيته وحياته ، حتى استطعت أن أجمع بعض المعلومات التى لم تكن مفاجئة لى ، ولكنها كانت ضرورية لتؤكد الصورة التى رسمتها فى ذهنى لهذا الفنان الموهوب المثير .. ومن حقائق حياته ومن طبيعة فنه نستطيع أن نصل إلى تفسير كامل لعزلة هذا الفنان عن الجمهور ، وعدم شهرته بالرغم من أنه يعتبر من الرواد الأوائل لفن القصة القصيرة فى الأدب العربى الحديث ..

ومحمود البدوى يكاد يكون زميلا ورفيقا لمحمود تيمور ، فهو قد بدأ الكتابة بعده بقليل ، وهو حقا يصغره فى السن ، ولكنه يعتبر من الناحية التاريخية من نفس الجيل الذى أعطى لفن القصة القصيرة صورتها الأساسية الأولى ، بعد أن كان هذا الفن معدوما فى أدبنا تماما ، أو كان موجودا بصورة بدائية محدودة ، ولقد نال تيمور فى حياتنا الأدبية مكانة أكبر بكثير مما ناله محمود البدوى .. بالرغم أن البدوى من ناحية القيمة الأدبية يتفوق على تيمور ويتميز عليه .. والسبب فى ذلك هو كثرة انتاج تيمور ، وطبيعته الاجتماعية التى جعلته على صلة دائمة مستمرة بالناس ، ومكانته فى المجتمع ..

فمحمود تيمور من أسرة ثرية عريقة أتاحت له أن يكون فى مكان بارز تتجه إليه الأنظار وتهتم به وتسعى إليه ، وخصوصا فى مجتمع العهد الماضى ، الذى كان يحسب حسابا كبيرا للمركز الاجتماعى للفنان ، ويزن كفاءته بموازين مختلة فى كثير من الأحيان ، وذلك عندما ينظر لهذا الفنان نظرة خاصة لأنه من الطبقة العليا البارزة فى المجتمع ، وينظر إلى فنان آخر نظرة اهمال وعدم اهتمام لأن وضعه الاجتماعى محدود القيمة ، قليل الأهمية .. ولذلك فقد خدمت " الدعاية " التى لا تتصل بمقاييس النقد الفنى السليم شخصية " تيمور " ودفعت به إلى الصفوف الأمامية وأعطته حقه وأكثر من هذا الحق بكثير ، ولكن محمود البدوى بقى بعيدا عن الأضواء ، بعيدا عن " الدعاية " وأغفله عديد من النقاد .. وكان اهتمام الآخرين به اهتماما محدودا قاصرا ..

على أن هذا وحده لا يفسر العلاقة بين محمود البدوى وبين المجتمع .. فهناك عديد من الأسباب الأخرى التى تتصل بشخصيته وتتصل بفنه ، ولذلك فلا بد لكى نتصور العلاقة بين البدوى وبين مجتمعه على حقيقتها ، أن ندرس موقفه الفنى أولا ..

وعندما نحاول أن ندرس القصة العربية القصيرة فسوف نجد أن ثلاثة أساليب فنية تركت طابعها وأثرها الكبير على أدبنا القصصى الحديث منذ بداية نهضتنا الثقافية حتى اليوم ، ولكل أسلوب من هذه الأساليب أستاذ من أدباء الغرب كان نموذجا أساسيا لهذا الأسلوب عند كتاب القصة فى أدبنا .. وعندما اتصلنا بالأدب الغربى عن طريق الترجمة أو عن طريق المعرفة المباشرة كنا نمر فى مراحل وحالات نفسية متعددة متغيرة ، وكانت كل مرحلة أو حالة نفسية يمر بها المواطن العربى فى بلادنا تدعو أدباءنا إلى اختيار لون معين من أدب الغرب للتأثر به واحتذائه ..

لقد تأثرنا بالغرب ، هذه حقيقة لاشك .. ولكننا كنا نختار أنواع التأثير حسب حاجتنا ، وحسب مشاعرنا وأفكارنا .. فالحاجة التى دعتنا إلى الاهتمام بالأدب الرومانسى فى الغرب ، فدفعتنا إلى ترجمة روايات مثل " آلام فرتر " لجيتة ، و " غادة الكاميليا " لألكسندر ديماس وغيرهما من الآثار العالمية المشهورة فى ميدان الأدب الرومانسى ، غير الحالة التى دعتنا إلى ترجمة " جوركى " و " هوارد فاست " و " سارتر " وغيرهم من كبار كتاب الاتجاه الواقعى على اختلاف صور الواقعية وأنماطها ..

ولقد خضعت القصة القصيرة عندنا لتأثير ثلاثة من كبار كتاب القصة القصيرة فى أدب الغرب . وكان أول هؤلاء الثلاثة هو الكاتب الفرنسى جى دى موباسان الذى ولد سنة 1850 ومات سنة 1893 .

وكان موباسان كاتبا قصصيا كبيرا بالنسبة للأدب الفرنسى وللأدب الأوربى ، كان يعيش فى تمزق نفسى حاد نتيجة لأنه لم يهتد إلى شىء يؤمن به ، ونتيجة لما كان يراه فى الحياة الانسانية من تناقضات ومفارقات ، وقد كان هذا الفنان زاخرا بطاقة حيوية ضخمة ، ولم تكن هذه الطاقة تجد فرصة للانطلاق الصحيح فى ميدان المجتمع ، ولذلك فقد كان ينزل بنفسه إلى مستويات عنيفة من المجون حتى لقد كان يقال عنه أنه " أفجر شاب فى باريس " وكان يلتمس وسيلة لافراغ طاقته تلك أيضا فى الالتصاق بالطبيعة ومحبتها " أننى أحب الحياة كأننى الطير ، والغابات كأننى الذئب ، والصخور كأننى التيتل ، والعشب العميق كما يحب الحصان أن يتمرغ فيه ، والماء الصافى لأسبح فيه كأننى سمكة " .. والتمس علاقة أخرى بالكائنات الحية ، فكان يحب الحيوانات بطريقة غريبة عنيفة ، حتى لقد كتب مرة رثاء جميلا عذبا .. ولم يكن موضوع هذا الرثاء انسانا ما .. ولكنه كان شيئا آخر غريبا على عادات البشر هو : جثة حمار .. أجل لقد كتب رثاء لجثة حمار .. وما سر اهتمامه بالحيوان مثل هذا الاهتمام .. أنه طريقة لافراغ الطاقة الحية فى علاقة مع الكون ، علاقة تملأ إلى حد ما ذلك الفراغ الوحشى الذى يشعر به فى نفسه وهو ينظر إلى الدنيا ويعانى تجارب الحياة .. وسبب آخر يحدده هو نفسه :

" .. وماذا عن الانسان ذلك الحيوان الأصفر ؟ .. ان القدر يسيطر عليه بنفس الوحشية التى يسيطر بها الإنسان على الحمير والكلاب "

هذه الخطوط العامة فى شخصية موباسان لم تكن هى التى لفتت نظر الذين آمنوا بأسلوبه الفنى واتبعوه فى كتاباتهم .. كلا بل أن شيئا آخر تميز به أسلوب موباسان فى كتابة القصة ، ونحن نقصد بالأسلوب هنا : الطريقة الفنية ولا نقصد به الصياغية اللفظية .. ما هو هذا الشىء الذى لفت أنظار أتباع موباسان عندنا فيما يكتبه ذلك الفنان ؟ .. أنه شىء ينبع من احساس موباسان بالمفارقات والتناقضات فى حياة المجتمع .. فى حياة الناس .. أنه ينبع من احساسه : بأن الحياة يسيطر عليها نوع من " اللامعقول " و " اللامنطقى " .. هذا الشىء هو : المصادفة .. وبتعبير آخر المفاجأة .. فالمصادفة أو المفاجأة تملآن قصص موباسان ، فبينما تمضى أحداث القصة بمقدمات معينة إذ بك تصل فى نهاية الأمر إلى وضع نفسى جديد لم تمهد له تلك المقدمات بحال من الأحوال ، ولنضرب مثالا بقصته المشهورة المعروفة المسماة " العقد " ..

وتقوم هذه القصة حول السيدة " لوازيل " .. وهى امرأة منحتها الطبيعة نعمة الجمال .. وسلبها المجتمع نعمة الثراء فكانت فقيرة .. أتريد أن تعلم إلى أى حد كانت فقيرة ؟ .. لقد تزوجت بموظف صغير .. كاتب من الكتبة فى أحد دواوين الحكومة .. ولكن الجميلة الفقيرة ظلت طول عمرها تحلم بالقصور وساكنى القصور من الأمراء ، والسعداء من أبناء الأسر الغنية المترفة .. انها تتمنى أن تذوق سعادة الحياة داخل قصر من القصور ولو لمدة ليلة واحدة ، فى حفلة راقصة ساهرة ، أو فى دعوة يتفضل بها ساكن من سكان هؤلاء القصور عليها .. أو بأى طريقة يسوقها القدر الذى حرمها عديدا من النعم ، ولم يبق لها أمل فى شىء سوى هذه النعمة .. هذا الحلم الذى يداعب خيالها فى اليقظة والنوم ..

وذات يوم ساق لها القدر ماكانت تتمناه ، فجاء زوجها إليها ومعه دعوة إلى حفلة ساهرة يقيمها وزير المعارف ، وعلى شفتيه ابتسامة عريضة راقصة كأنها تقول للزوجة : ها هى الأمنية التى كنت تتمنينها أصبحت على وشك التحقيق .. الليلة .. نعم : الليلة

وفرحت الزوجة لحظة .. ولكنها سرعان ماقالت فى أسى شديد : ولكن ليس لدى ما ألبسه ..

وهنا اقترح عليها الزوج أن تذهب إلى صديقة لها كانت زميلتها فى الدير ، وهى غنية تملك الملابس الثمينة المناسبة .. وذهبت السيدة لوازيل إلى زميلتها القديمة السيدة " فورستير " واستعارت منها حليها لتلبسها فى هذه الحفلة الساهرة .. فى أمنية العمر ، وكانت الحلى هى عقد ماسى جميل جعل من السيدة لوازيل أجمل فتيات الحفل ..

وعندما عادت إلى بيتها سعيدة فرحة وأخذت تخلع ملابسها ، تغمرها نشوة الذكريات الجميلة فى تلك الليلة ، إذا بها تصرخ فجأة .. لقد ضاع عقد السيدة فورستير المستعار .. وضاعت كل الجهود التى بذلت للبحث عن العقد .. وكان لابد لهذا أن يرد إلى صاحبته .. وذهبت السيدة " لوازيل " إلى صائغ لتشترى عقدا مشابها كان ثمنة ستة وثلاثين ألف فرنك .. وأعادت السيدة لوازيل العقد إلى صديقتها ، بعد أن جمعت ثمنه من الأصدقاء والمرابين وكل وسائل القرض والاستدانة ، ثم بدأت تعمل وتعمل حتى تستطيع الوفاء بديونها ، فكانت تكدح هى وزوجها بلا كسل أو خمول حتى استنزفت صحتها وذبل جمالها خلال عشر سنوات من العمل المتتالى لرد ثمن العقد ..

وذات يوم وقد أصبحت سيدة عجوزا ذابلة ، كانت تسير فى أحد الشوارع ، إذ بها تلتقى بسيدة جميلة أنيقة هى صديقتها فورستير " صاحبة العقد " فحيتها لوازيل ولكن فورستير لم تعرفها من كثرة ما أصابها من التغير والاجهاد :

" ـ ألا تعرفيننى ..؟ اننى ماتيلدا لوازيل ..
ـ أوه ماتيلدا المسكينة لكم تغيرت ..
ـ لقد أصابنى ضيق شديد طيلة هذه السنين ، وكل ذلك من أجلك ..
ـ من أجلى ..؟ كيف كان ذلك ..
ـ لقد فقدت العقد الذى استعرته منك ، لكنى أشتريت عقدا آخر يشبهه تماما ، وظللت أفى بثمنه عشر سنوات .. "


وهنا حدثت المفاجأة الضخمة .. إذ قالت فورستير : " أى ماتيلدا المسكينة ، إن عقدى لم يكن أصيلا ، لم يكن يساوى إلا خمسمائة فرنك على الأكثر "

أكثر من معنى يمكن أن يحسه القارىء فى هذه المصادفة أو هذه المفارقة الغريبة ..

إن موباسان يسخر من القيم الشكلية للمجتمع ، ويسخر من كفاح الفتاة الجميلة الفقيرة سخرية فيها نوع من العطف والاشفاق ، ذلك لأنها تصورت أن المظاهر السائدة فى الطبقات المترفة الثرية هى دائما مظاهر حقيقية جوهرية ، وأفنت عمرها وشبابها فى سبيل هذا الفهم الخاطىء ، بينما يعيش الارستقراط المترفون على مظاهر زائفة لا تحمل فى داخلها ما تبديه للعيون .. ولكن هذا " الأسلوب " الفنى على أى حال أسلوب شائع معروف فى أدب موباسان ، لأنه ينبع من احساسه الحاد العميق بأن أبناء المجتمع قائم على المتناقضات والمفارقات الخالية من المنطق العقلى السليم :

جميلة فقيرة ، عقد ماسى يجعل منها فتاة باهرة فى عين مجتمع الليلة الساهرة بالرغم من أنه عقد زائف ، كفاح مرير من أجل وهم .. حلم يتحقق ، تذوق الفتاة الفقيرة الجميلة سعادة المجتمع المترف ، ولكن الحلم يكلف غاليا .. يفقد فتاتنا شبابها وجمالها .. مثل هذا الأسلوب الذى يعتمد على المصادفة والمفارقة ويتمكن باستمرار من توفير عنصر " التشويق " توفيرا كاملا فى القصة ..

وقد كان موباسان أستاذا لمدرسة كبيرة فى فن القصة فى أدبنا العربى الحديث ، وأكبر تلاميذ موباسان هو " محمود تيمور " فقد أخذ عنه الاهتمام بعنصر التشويق ، واعتمدت القصة عنده على المصادفات والمفاجآت التى تظهر فى النهاية بصورة لا يتوقعها أحد ، وعند مراجعة قصص تيمور نلاحظ هذه الملاحظة فى أدبه بوضوح كامل ، على أن تيمور قد اعترف فى كتابه " ملامح وغضون " ، بأن أستاذه فى فن القصة القصيرة هو " موباسان " وهذا الاعتراف الواضح الصريح لا يكفى وحده لكى يربط تيمور ب " موباسان " ولكنه يدعم الرأى الذى يمكن استنتاجه من قصص تيمور .. فهذا الرأى إنما نستمده أولا من فن تيمور ، ونعتمد بعد ذلك على اعترافه الذاتى لتأكيد هذه الظاهرة ..

فقصص تيمور تعتمد على المفارقات والمصادفات والمفاجآت تماما كما هو الأمر فى قصص موباسان ..

ولنأخذ مثالا من انتاج تيمور يدلنا على هذا التشابه بينه وبين " موباسان " وهو تشابه يحرص تيمور ، بل هو يسعى لتأكيد علاقته بموباسان على الدوام فيقلد باستمرار طريقته الفنية ..

ففى قصة قصيرة له أسمها " حسن أغا " فى مجموعته المسماة " قلب غانية " .. يروى لنا قصة رجل ثرى بخيل ، يحرص على جمع الثروة ، فيحرم نفسه من الطعام ، ويحرم أخاه من العون ويقسو على أهله أشد القسوة ، ولكنه مع ذلك حريص على الصلاة ، وعلى أداء الفروض الدينية الظاهرة .. وعندما يمرض ، ويقترب من الموت تكون أحلامه التى يظهر بعضها عندما يتحدث بصوت مرتفع وهو نائم عن اللصوص الذين يريدون أن يسرقوه ، وعن أخيه الذى يتصور أنه يعبث بثروته وهى فى الحقيقة لايكاد ينال منها حقوقه الأساسية .. ثم يموت هذا الرجل وتعلن وصيته .. فإذا بنا أمام مفاجأة ضخمة لم نتوقعها قط من مقدمات القصة ..

لقد أعلنت هذه الوصية " أنه يقف جميع ما يملكه من منقول وثابت على الخيرات .. وصدرت الصحف بعد ذلك بأيام وفيها الفصول الضافية ذات العناوين الضخمة تمجد ذكرى فقيد البر " حسن أغا " وتتغنى بمروءته وتعدد أفضاله على الانسانية " ..

وقد أخذ تيمور عن موباسان تلك الظاهرة الفنية ، وهى الاعتماد على المصادفة والمفاجأة فى بناء القصة ، وخلق عنصر " التشويق " فيها عن هذا الطريق .. ولكن تيمور لم يرتبط قط بمنابع هذه الظاهرة الفنية عند موباسان ..

فموباسان ، كما قلنا ، يلمح التناقض فى مظاهر الحياة المختلفة ، ويشكو من هذه الظاهرة مر الشكوى ، ولقد أدى به احساسه بما فى الحياة من تناقض ولا معقولية إلى نهاية أليمه .. لقد أصابه الجنون ، فالإحساس بالتناقض شىء غائر فى نفس موباسان .. وهو إحساس خرج به من تجاربه فانعكس على فنه فى صور متعددة من بينها تلك الصورة وهى :

أن المصادفة تحكم جانبا كبيرا من أحداث الحياة .. أنها أحداث بلا قانون .. أحداث اعتباطية لاتخضع لنظام ..

فهل كان تيمور يصدر فى فنه عن فلسفة من هذا النوع ..؟ .. لا نستطيع أن نخرج من أدب تيمور بمثل هذه الفلسفة ، ولا نعرف عن حياته ما يدل على أنه كان يعيش مثل هذا النوع من القلق العنيف الذى كان يشعر به موباسان ، فتيمور مستقر فى طبقته الاجتماعية الهادئة ، وأسرته المنسجمة المتناسقة ، وأهم حادث وقع له هو وفاة ابنه ، وقد هزه هذا الحادث هزا عنيفا وكان مصدرا أساسيا لكتابه " أبو الهول يطير " وهو من أروع كتب تيمور وأكثرها نضجا .. وهو عامر بالاحساس الحار الملتهب ، وفيما عدا ذلك فنفسية تيمور نفسية مستقرة " باهتة " ، ليست من النفسيات القلقة المتمردة ، ومن هنا فإن تيمور قد اهتم بالأسلوب الفنى عند موباسان ولم يهتم بمنابع هذا الأسلوب ، فلم يرتبط به إلا ارتباطا فنيا عاما ..

وتيمور هو أكبر فنان فى أدبنا العربى يستطيع أن يمثل التأثر بموباسان ، فهناك عدد آخر من كتاب القصة القصيرة أخذوا يلتزمون هذا الأسلوب ، ولكن امكانيتهم كانت محدودة ضعيفة فلم يستطيعوا أن يصلوا فى هذا الميدان إلى ما وصل إليه تيمور ، وحسبنا أن نذكر من هؤلاء الكتاب :

أمين يوسف غراب ، وإبراهيم المصرى ، وإبراهيم الوردانى ... لقد أراد هؤلاء جميعا أن يقلدوا ذلك الأسلوب الفنى الذى فهموه عن موباسان ، ولكنهم لم يكونوا يملكون شخصية تيمور التى سبقتهم وتفوقت عليهم كثيرا ..

أما الكاتب الأوربى الثانى الذى أثر فى أدبنا القصصى أشد التأثير وخلق اتجاها خاصا فى ميدان القصة فهو " مكسيم جوركى " ..

لقد اتجه أدباؤنا إلى " مكسيم جوركى " عندما ظهرت الدعوة إلى الواقعية فى الأدب .. ولقد قال كاتب أوربى ذات مرة " إن الرومانسية هى الخوف من النظر إلى الحقيقة فى عينيها " ..

ولقد كان " جوركى " كاتبا جريئا يرفض النزعة الرومانسية .. لقد كان كاتبا " ينظر إلى الحقيقة فى عينيها " ..

وكانت الحقيقة كما رآها جوركى هى : " أن أزمة الإنسان ومحنته نابعة من عدة مصادر أهمها النظام الاجتماعى ، فكلما كان النظام الاجتماعى فاسدا لا يرتكز على أفكار عادلة كلما كان هذا النظام عاملا فعالا فى خلق الأزمات الخانقة التى يمر بها الإنسان .. ولذلك فقد ركز جوركى عينيه على الحياة الاجتماعية ، وكان أدبه ينبع من هذه الحياة ، فهو يصورها ، ويفسرها ، ويكشف علاقة الإنسان بما فيها من أشياء فاسدة خاطئة ، ثم يدعو باستمرار إلى تحرير الإنسان من هذه الظروف التى تسبب أزماته وتحط من قدره ، وتدفع به إلى البؤس المادى ، والبؤس النفسى ، فأدب جوركى هو الأدب الذى يعنى بابراز الهدف الاجتماعى وعلاجه ومناقشته ، ولقد أقبلنا على أدب جوركى فى المرحلة التى اتجهنا فيها إلى تحويل الأدب تحويلا واعيا للتعبير عن المجتمع وعن علاقة الإنسان به ، والخروج من مجرد تصوير الحالات النفسية الفردية المحدودة ..

و " جوركى " هو سيد كتاب القصة الواقعية فى العصر الحديث ، وواقعية جوركى لها معنى خاص ، فهو يصور الحياة ، ويطلب تعديلها نوعا معينا من التعديل ، وهذا النوع من التعديل توجهه النظرية الاشتراكية التى يؤمن بها جوركى وينظر من خلالها إلى المجتمع والناس ..

ولقد ظهرت الدعوة الاشتراكية على نطاق واسع فى حياتنا خلال السنوات العشر الأخيرة ، وليست هذه أول مرة تظهر فيها الدعوة إلى الاشتراكية فى بلادنا ، إذ أن هذه الدعوة قديمة .. ولكنها دعوة كانت تظهر على فترات قليلة متفرقة وعلى نطاق محدود .. على لسان كاتب من الكتاب ، أو بين جماعة صغيرة من المفكرين ، أو بين هيئات اجتماعية محدودة .. ولكن الفترة الأخيرة قد أتاحت لهذه الفكرة أن تظهر بقوة وعلى نطاق الغالبية العظمى من أبناء المجتمع الذين يفكرون فى مشاكله ويعيشونها ، ويحاولون إيجاد حل لها ..

ولم تكن هذه الدعوة نظرية عقلية بحيث تقتصر على ميدان السياسة والاجتماع وحسب ، بل كانت دعوة أبعد مدى وأقوى أثرا .. لقد كانت هذه الدعوة حاجة من حاجات النفس والشعور ، لأنها تحدد قيمة جديدة للإنسان ، وترفض الأفكار التى كانت شائعة فى مجتمعنا فى العهد الملكى مثلا ، والتى كانت تفرض على الإنسان أن يظل أسير قيود سيئة ليست من الإنسانية فى شىء .. وقد انعكست هذه الحالة على حياتنا الأدبية ، فشعرنا باحتياجنا إلى أدب جديد يعبر عن هذه المرحلة وقد كان جوركى بالطبع هو أقرب مثال للأدب الواقعى الذى يتلاءم مع هذه الحالة الجديدة ..

وقد برز فى أدبنا العربى عدد من الكتاب الذين يهتمون بالهدف الاجتماعى فى قصصهم ، وعلى رأسهم يوسف أدريس الذى استطاع أن يوفق إلى حد بعيد فى التعبير عن المرحلة الجديدة ، والاحتفاظ فى نفس الوقت بالقيمة الفنية الجمالية لقصصه ، والواقع أن جوركى نفسه كان حريصا على أن يؤكد قيمة الجمال الفنى فى التعبير الأدبى ، مهما كان العمل الأدبى مرتبطا بدعوة اجتماعية معينة ، وقد وفق جوركى إلى الاحتفاظ بجمال قصصه من الناحية الفنية بالرغم من وضوح الهدف الاجتماعى ، وارتكاز فنه على تلك النزعة ، ولكن هناك كثيرين استجابوا لهذا الاتجاه الفنى دون أن يفهموا حقيقته فهما صحيحا ، فأسرفوا فى ابراز الهدف الاجتماعى وقصروا فى الجانب الفنى .. ولم يوفقوا مثلما وفق استاذ هذا الاتجاه وهو جوركى ، وكما وفق أحد أعلامه فى أدبنا الحديث وهو يوسف أدريس .. لم يوفقوا فى الاحتفاظ بالقيمة الفنية للقصة إلى جانب دلالتها الاجتماعية ..

أما الأديب الغربى الثالث الذى كان له تأثير على أدبنا فى ميدان القصة القصيرة فهو " أنطون تشيكوف " ..

وهذه الشخصية هى التى خلقت اتجاها بأكمله فى فن القصة القصيرة عندنا ، وكان على رأس هذا الاتجاه الشخصية الأدبية التى نتحدث عنها فى هذا المقال ، وهى شخصية محمود البدوى ..

لقد تأثر محمود البدوى تأثرا كبيرا بتشيكوف ، وكان من أبرز الذين استفادوا من أسلوب هذا الفنان الكبير ، والاستجابة له ..

وتشيكوف يعتمد فى قصته على " النزعة الشعرية " .. فإذا تصورنا الوجدان الانسانى وهو يفكر فى عشرات من الخواطر كل يوم ، فإن بين كل مجموعة من هذه الخواطر ، خاطرا شعريا واحدا ، وتشيكوف يستعرض هذه الخواطر كلها ويقف عند الخاطر الشعرى ويهتم به ..

فالإنسان يفكر فى العمل وفى البيت ، ويفكر فى الأصدقاء والزملاء ، وفى ركوب الترام ، وفى الزحام على شراء الجريدة أو شراء الطعام .. كل هذه الخواطر تدور فى ذهن الإنسان ، وفجأة يقف الإنسان لحظة ليفكر مثلا :

لماذا أعيش ..؟ .. أو ليقول لنفسه : كم أحس بالملل .. أو : كم أحس أننى وحيد لا يشاركنى الناس فى آلامى .. أو يقول : أوه ، ما أفظع الزحام .. وما أضيعنى فى هذا الزحام .. وهكذا كلما مر فى الذهن عدد من الخواطر المتصلة بأشياء مادية واقعية مباشرة انطلقت من نفس الإنسان صرخة مكتومة تعبر عن خاطر من الخواطر الرقيقة الشفافة .. خاطر شعرى .. وهنا يقف تشيكوف بعدسته اللاقطة الذكية ليسجل مثل هذا النوع من الخواطر ويعرضه فى فنه ..

فالقصة عند تشيكوف هى أقرب ما تكون إلى الشعر لأنها تعتمد على اللمسات الرقيقة الشفافة ، وتتخلص من كثافة الحياة وازدحامها ، ومطالبها اليومية المتكررة .. إنها تقف عند اللحظة الشعرية فقط لتقول لنا من خلالها حكاية الإنسان مع الحياة ومع نفسه ، وبمثل بساطة الشعر يعبر تشيكوف عن المواقف التى تثيره فى الحياة وتلفت نظره .. فتشيكوف هو " القصاص الشاعر " بكل ما فى هذه الكلمة من ارتباط دقيق بين الشعر والقصة ..

ففى احدى أقاصيصه يحدثنا عن سائق عربة مات له إبن ، وعندما يركب فى عربته عدد من الناس يحاول أن يتحدث اليهم عن موت ابنه ، ولكنهم لا يصغون إليه .. ويحاول السائق ويكرر المحاولة ولكنه يفشل لأن الناس يسدون آذانهم عما يريد أن يقول .. وأخيرا .. أخيرا جدا بعد أن يتخلص من الناس ومن العمل يقف إلى جانب حصانه ، يربت على ظهره بحنان ثم .. يشكو إليه .. ويقول له : لقد مات إبنى وأنا حزين .. ألا تحزن ..؟ .. لو كانت لك " مهرة " صغيرة وماتت .. ألا تحزن ..؟ إن الحصان لا يرد بالطبع ، بل ولا يفهم شيئا مما يقوله صاحبه ، ولكن ما أروع تصوير تشيكوف لموقف السائق .. إن الوحدة النفسية القاسية التى يعيشها السائق ، واحتياجه الشديد أن يشاركه الآخرون فى آلامه وأحزانه .. هذا الموقف النفسى الذى يعيش فيه السائق هو الذى دفعه آخر الأمر إلى أن يتحدث إلى حصانه .. وهو حيوان لا يفهم ولا يدرك شيئا ..

هذه لمسة فنية خاصة لا يدركها إلا وجدان شعرى ، يرى الأشياء فى هدوئها حتى لو كانت عنيفة قاسية .. إنه لا يرى من الكارثة ما فيها من صراخ وضجيج ، ولكنه يرى ما فيها من دموع تسيل بلا عنف ويرى تسرب الأحزان فى داخل الذات الإنسانية بحيث تظهر فى نظره كسيرة ، او تظهر فى اطراقة هادئة .. ووراء هذه المظاهر البسيطة تتضح تماما الأعماق البعيدة المليئة بعناصر المأساة ..

إن إدب تشيكوف مثل شخصيته بسيط سهل حزين ملىء بالموسيقى الداخلية .. قال أحد أصدقائه عن شخصيته ذات يوم " يخيل إلىّ أن كل أمرىء كان يشعر فى مجلس تشيكوف برغبة غير واعية فى أن يكون أبسط وأصدق وعلى سجيته " .. مثل هذا الشعور هو تماما ما تشعر به وأنت تقرأ قصص تشيكوف ..

هذه النزعة فى كتابة القصة القصيرة وربط هذا الفن القصصى بشفافية الشعر وخلوه من كثافة الأحداث ، وحدة المواقف .. هى النزعة التى أخذها محمود البدوى عن تشيكوف ووفق فيها إلى حد بعيد ..

معظم قصص محمود البدوى ترد على لسان المتكلم " أنا " .. وبهذه الطريقة يربطك محمود البدوى بأحداث قصته .. كأنه يروى حادثا واقعيا مر به ، أنه يحدثك فى بساطة وسهولة ، ويقنعك بأن الفرق بين أحداث قصته وأحداث الحياة غير كبير ، وليس استخدام ضمير المتكلم هو وحده الذى يقنعك بهذه الحالة النفسية التى يمتزج واقع الفن بواقع الحياة امتزاجا حلوا رائعا ، بل إن اسلوب البدوى البسيط الخالى من التعقيد والزخرف الخارجى ، الملىء بالموسيقى الداخلية العذبة ، كل هذه العناصر تؤدى إلى الشعور ببساطة القصة التى يكتبها البدوى وشفافيتها .. تؤدى فى كلمات : إلى الاحساس بالطابع الشعرى فى قصته ..

ولنحاول أن نجد مثالا لهذا الطابع الشعرى فى قصص محمود البدوى .. فى قصته " الأعرج فى الميناء " وهى أول قصة فى المجموعة المسماة بهذا الاسم يتحدث عن نفسه إذ كان يعمل " صرافا " فى مصلحة من مصالح الحكومة .. وقد اختار لنفسه صديقا هو المهندس الأعرج " أمين " ليملأ فراغ حياته ، إذ أنه لم يكن متزوجا ، وكان يسكن وحده عند أرملة أجنبية أسمها " مارينا " .. هذه السيدة التى رفضت حب البطل ، وأحبت " أمين " الأعرج لأنه لم يكن يبالى بها أو يهتم بمشاعرها ..

هذا هو موجز صغير للقصة بدون التفاصيل الصغيرة .. ولكننا يجب أن نقف لحظة عند الجوانب التى يهتم بها فى سهولة ويسر غريبين .. فبعد أن يعرف نفسه كصراف يقع عليه عبء عمل متعب .. يلتفت هذه اللفتة البسيطة :

" وكنت مع تعبى الشديد وخوفى من العجز .. أجد لذة محببة فى دراسة هذه الوجوه التى تقف أمامى على شباك الصرف .. وأرى فى بعض النساء وجوها صباحا تصرخ بالفتنة فأهدأ .. فأكون كمن أعطى حقنة مورفين وهو فى أشد حالات الهياج العصبى " ..

أو يقول فى لفتة أخرى .. تعليقا على الخلاف بين صديقه المهندس " أمين " والموظفين الذين كان يعمل معهم :

" لم تكن المنازعات تنتهى بينه وبين الموظفين فى المكتب أبدا لأنهما كانا قوتين تتصارعان .. كان هو يعمل للخير وللحياة .. وهم للروتين والعفن " ..

ثم يمضى دون أن يحفر هذا الصراع بين القوتين بعنف أو بمرارة ..

وفى حوار بينه وبين السيدة التى كان يسكن عندها .. قالت له السيدة وقد رأته يكثر من القراءة :

" ـ لماذا تتعب نفسك فى الدرس يا مسيو مراد .. هل تعد رسالة للدكتوراة ..؟
ـ أننى أقرأ لأتسلى ..
ـ أخرج إلى الشارع لترى الناس وتتمتع بالحياة .. ولا تضيع شبابك .. هكذا ..

وأمسكت بيدى مرة .. وكنا ندفع السفرة إلى جانب الحائط :
ـ أرأيت .. أثر الكتب على جسمك .. انك ضعيف محطم ..؟

وكأنما لسعتنى بسوط وعلا وجهى الاصفرار .. "

مثل هذه اللمسات البسيطة ، وردود الفعل البسيطة العميقة أيضا هى التى تملأ عالم هذا الفنان .. فهو فى الحوار السابق يشير إلى فكرتين عن الحياة ..

فكرة الانطواء والعزلة وفكرة الارتباط بواقع الحياة والتفتح لاستقبال أحداثها المختلفة .. ثم إذا ما أحس بدعوتها له لكى يخرج إلى الحياة لم يكن انفعاله بهذه الدعوة أكثر من " كأنها لسعتنى بسوط .. وعلا وجهى الاصفرار .." ..

وفى داخل القصة تنطلق الأفكار الإنسانية والإجتماعية بسهولة ويسر دون افتعال ..

ويقول على لسان أمين الأعرج :
" مع كل المساوىء التى تراها فى الحياة والفن ، فنحن نتقدم .. ولكننا نعقد الحياة .. ونشوه وجهها الجميل .. وهؤلاء العمال الذين تراهم فى الميناء يمكن أن يوجد من بينهم مائة قارىء يقرأون ويسمعون الموسيقى على أحسن وجه .. لو هذبت مداركهم .. ورفعت مستواهم .. وجعلت لهم فى هذا المكان قاعة للمطالعة ومثلها للموسيقى .. أنهم لا ينقصهم شىء عن أى انسان أوربى ، ولكننا نشوه الحياة عندنا وننقص من قدرنا متعمدين .. "

ومثل هذه النزعة الشعرية البسيطة فى التعبير عن الأفكار الانسانية نقرأها فى معظم قصص محمود البدوى ..

ولنأخذ مثالا فى قصته " ذراع البحار " .. حيث يتحدث عن رحلة له على احدى البواخر حيث التقى بناس من مختلف الجنسيات لا توجد بينه وبينهم علاقة خاصة :

" كنت أجلس مع البحارة والفتيات العاملات فى السفينة .. مع الوقادين والعطشجية ومهندس الآلات .. ومع بعض ركاب الدرجة الرابعة الذين يختارون هذا البوفيه لرخص أسعاره .. نأكل ونضحك ونغنى ونتحدث بكل لغات الأرض .. ولم يسألنى واحد ممن حولى عن جنسيتى .. فكلنا بشر .. وكان فى السفينة بحارة من كل الأجناس وركاب من كل بقاع الأرض ، وكنا نجتمع فى هذا المكان الدائرى فى القاع والأمواج تلطم السفينة وتلاعبها .. ونحن فى صفاء ومودة ، وقد نسينا كل الخلافات التى يثيرها .. .. وكل المشاكل عن الجنس واللون والقارة .. كنا ننسى كل هذا ونعيش فى هذه الألفة مجتمعين .. وكلنا جنس واحد من خلق الله .. كلنا بشر " بمثل هذه الطريقة اليسيرة العميقة يعبر محمود البدوى عن أفكاره دون ارتباط باتجاه فكرى معين يثقل شفافية فنه ، أو يحيله إلى فن كثيف كثير التفاصيل ..

ومعظم أبطال محمود البدوى يعيشون فى نوع من الحزن والوحدة والشعور القائم الساكن فى نفس الوقت ، ولعل هذا مما يجعل نماذجه القصصية أقرب إلى الجو الشعرى منها إلى الجو التفصيلى المزدحم بالأحداث والوقائع ..

هذا هو الطابع العام لمحمود البدوى فى مجموعاته القصصية " الذئاب الجائعة " و " العربة الأخيرة " و " فندق الدانوب " و " الأعرج فى الميناء " و " ذات ليلة " ..

فلماذا لم ينل محمود البدوى حظه من الشهرة وهذا الفنان المبدع الذى تستريح إليه النفس ، ونجد فى قراءته متعة كبيرة عندما تبهرها ملاحظاته الإنسانية الدقيقة العديدة التى تمتلىء بها قصصه ..؟

أول سبب فى نظرى يعود إلى طبيعة البدوى نفسه .. فهو رجل انطوائى يعيش فى عالمه النفسى الخاص ، وهو قليل الاتصال بالذين يشتغلون بالحياة الأدبية والفنية عموما ، ولقد عرفت من بعض المتصلين به أنه أصيب بصدمة عاطفية فى مطلع حياته وهو طالب فى الجامعة ، وقد أدت هذه الصدمة به إلى أن يترك الدراسة ، بل أنه ترك مصر كلها وسافر لفترة إلى أوربا ، وكان لديه بعض المال فصرفه كله على هذه الرحلة التى أراد فيها أن يجرب وينسى .. وربما تكون هذه التجربة هى السبب فى انطوائه وعزلته ، ولكن مما لا شك فيه أن الطبيعة الانطوائية كانت من عناصر شخصيته قبل هذه التجربة ..

انه انسان يميل إلى تأمل الحياة وملاحظتها لا إلى الاشتراك فى زحمتها والمساهمة فى أحداثها العريضة الكبيرة .. ولو كانت طبيعته على غير هذه الصورة لوقف موقف " التحدى " من التجارب التى تؤذيه وتصطدم به ، ولكنه دائما كان ينسحب من ميدان الصراع ، ولا يجعل نفسه طرفا فيه ، وإذا تصادف وكان طرفا فى هذا الصراع كان أسرع المنسحبين من الميدان ، والانسحاب ليس معناه الضعف أو انهيار الشخصية ، فمثل هذا الموقف الانسحابى موقف جرىء جدا ، يأخذه الفنان عندما يحس أن الخلاف بينه وبين المجتمع خلاف حاد ، وأنه يستطيع من خلال هذا الصراع أن يكسب لنفسه أشياء ، ولكن قضيته التى يحبها ويؤمن بها سوف تخسر .. ومن هنا يؤثرون الانصراف عن الصراع تعففا واحتراما للنفس وكراهية للزحام على موارد الثروة والشهرة والكسب فى ميدان المرأة أو غير ذلك من الأمور ..

ولقد وقف عبد الرحمن شكرى هذا الموقف بما هو أحد وأعنف من موقف محمود البدوى ، ووقف عادل كامل وهو أحد كتاب الرواية عندنا ، وكان باستطاعته أن يتقدم ويصبح فى الصفوف الأولى من أدبائنا ، ولكنه توقف فى بداية الطريق ..

ومحمود البدوى لم يتوقف عن الانتاج الأدبى وأنما توقف عن الاتصال على نطاق واسع بالمجتمع ، وعلى الأخص المجتمع الأدبى الواسع ..

ومحمود البدوى اليوم موظف صغير باحدى الوزارات لا يشكو ، ولا يجرى وراء المظاهر .. وإنما هو قابع فى الظل المتواضع ، يكتب ويتأمل ويحس بالأشياء احساسه الطبيعى دون رغبة فى الزحام على الاطلاق ..

كسب محمود البدوى من رحلته ـ ولعله سافر أكثر من مرة ـ طابعا انسانيا عاما يظهر فى أدبه ، فهو واحد من الأدباء العرب القلائل الذين يعبرون فى فنهم عن نماذج إنسانية غير محلية ، ففى قصصه أبطال من أوربا وآسيا على اختلاف بلدان القارتين ، وتلك نزعة إنسانية عظيمة الأهمية أعطت لأدبه طعما ولونا خاصا ودفعت به إلى مستوى نبيل من التعبير عن مشاكل إنسانية عامة تتصل بالإنسان فى أى مكان بلا حواجز ولا حدود ، على أن هذه النزعة الإنسانية العامة أضعفت من قيمة محمود البدوى فى بيئته المحلية ، ذلك لأنه لا يكثر من تصوير النماذج الأقليمية التى تقرب بينه وبين القارىء العربى ، حتى لقد قال أكثر من واحد من المشتغلين بالأدب أنهم أمام كاتب غير محلى .. أنه كاتب أوربى ، أو أن القصص التى يكتبها ليست قصصه وإنما هى قصص مترجمة .. هذا الإحساس الذى يولد منذ اللحظة الأولى فى نفوس قرائه عندما يقرأون عناوين مجموعاته مثل " الذئاب الجائعة " " الأعرج فى الميناء " " فندق الدانوب " ..

مثل هذا الإحساس قد فصل بين البدوى وبين قرائه إلى حد ما أيضا .. ان الناس ينظرون إليه كأنه كاتب ليس من بلادنا ، وإنما هو كاتب أجنبى ، ولكن هذا الشعور مؤقت ، ولا بد أن يكون مؤقتا ، لأننا فى المستقبل سوف نهتم بذلك الكاتب المحلى الذى يرتفع بنا إلى مستوى النظرة الإنسانية الشاملة دون أن يكون فى ذلك إساءة إلى قوميتنا ..

على أن الهدوء والسهولة الشائعين فى أدب محمود البدوى قد حالا بينه وبين معرفة كثير من الناس ، خصوصا وأن هذا النوع من الكتابة لا يعطى نفسه بهدوء ويسر ..

إن القارىء يشعر معه فى اللحظة الأولى أن القصة لفرط بساطتها لا تعطيه شيئا .. ولكنه عندما يفكر فيها وينظر إليها بمزيد من التأمل يلمس عمقها وروعتها ..

والبدوى من ناحية أخرى لم يرتبط بعقيدة ما تساعده على الانتشار أو تلفت إليه النظر ، وهو هنا يختلف عن تشيكوف ، فتشيكوف مع أنه لم يكن مرتبطا بمذهب معين من مذاهب الحياة ، إلا أنه كان واضحا للغاية ، كان يرسم باستمرار ، يرسم طريقا لحل المشاكل التى تعترض أبطاله ، وهى نفسها المشاكل التى تعترض مجتمعه ، ويكاد هذا الوضوح عند تشيكوف يكون هو نفسه مذهبا يدعو إليه هذا الفنان الكبير ، ويطالب الناس بالتزامه والايمان به ..

أما محمود البدوى فهو يجيد الاحساس بالمشكلة ولكنه يضطرب عندها ويحاول أن يلتمس الطريق للخروج منها ، ولذلك فكثيرا ما تنتهى قصصه نهايات مفتعلة ليست من طبيعته الفنية فى شىء .. أنها نهايات تؤكد احساسه بطابع المأساة فى الحياة ولكنها لا تفتح طريقا يمكن لهذا أن يفتحها أو يشير إليه بطريقته الشعرية الموحية .. وما من شك أن هذا المعنى متوفر فى داخل قصص محمود البدوى ، ولكن نهايات قصصه غالبا ما تكون نهايات مضطربة خاضعة للمصادفة العمياء ..

ومما يتصل بعدم ارتباط البدوى بفكرة أو بنظرة عامة فى المشاكل التى يعرض لها .. ذلك الموقف الذى يأخذه من المرأة فى قصصه ..

فمعظم قصصه تشكك فى طبيعة المرأة ، وتوحى بأنها طبيعة حيوانية ، فالمرأة تحب من لايهتم بها ، ولا تبالى بمن يهتم بها ، والمرأة هى الزوجة الأولى لشهريار .. تلك التى خانت الملك ، لتمنح نفسها للعبد التماسا للمتعة الحسية بأى طريقة ، فالمتعة الحسية هى الهدف البعيد والهدف الوحيد ..

ولا شك أن هذه الفكرة عن المرأة كانت نتيجة للصدمة العاطفية التى مر بها هذا الفنان فى مطلع حياته ، ولكنه لو حاول أن يناقش المسألة على ضوء أكثر من ضوء التجربة التى مر بها لكان قد استطاع أن يقدم إلى الحياة فكرة أكثر وضوحا وتنوعا من الفكرة السابقة .. فالنماذج التى يتحدث عنها موجودة بحق .. ولكن هناك نماذج أخرى كان باستطاعة هذا الفنان أن يكتشفها ويعبر عنها لو نزع غشاوة التجربة الأولى عن عينيه ..

هذه فيما أحسب هى الأسباب العامة التى فصلت بين محمود البدوى وبين الجمهور إلى حد ما ، رغم أنه فنان كبير أصيل ، يستحق أكثر مما نال من معرفة الناس وتقديرهم ..

وفى اعتقادى أن المستقبل يدخر لهذا الفنان الموهوب وضعا آخر فى حياتنا الأدبية غير الوضع الذى ظل فيه حتى اليوم .. فى الظل .. بعيدا عن العيون ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصص محمود البدوى التى تناولتها الدراسة :
منشورة فى العنوان

http://shortstory1935-1986.blogspot.com/